" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ "(الأنعام:44
ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ ما مختصره : "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ", أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم , "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون , وهذا استدراج منه ـ تعالي ـ وإملاء لهم , ولهذا قال : " حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا " , أي من الأموال والأولاد والأرزاق ( أخذناهم بغتة ) , أي علي غفلة "فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ", أي ( آيسون من كل خير ... ).
وأضاف : ( وقال مالك عن الزهري : "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" قال : رخاء الدنيا ويسرها . وقد قال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ , قال : "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج , ثم تلا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ :"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ", وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول : " إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف , وإذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم ـ أو فتح عليهم ـ باب خيانة ""حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" , كما قال : " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " .
وذكر صاحب الظلال ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ ما مختصره : .. فأما هذه الأمم التي كذبت بالرسل , التي يقص الله من أنبائها هنا , فإنهم لما نسوا ما ذكروا به , وعلم الله ـ سبحانه ـ أنهم مهلكون , وابتلاهم بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا ... فأما هؤلاء فقد فتح عليهم أبواب كل شيء للاستدراج بعد الابتلاء) ... ( لقد أخذ الله قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط , كما أخذ الفراعنة والإغريق والرومان وغيرهم بهذه السنة , ووراء ازدهار حضارتهم تم تدميرها , ذلك السر المغيب من قدر الله , وهذا القدر الظاهر من سنته , وهذا التفسير الرباني لهذا الواقع التاريخي المعروف )