أيها الناس
قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه
و حان للغافل أن يتنبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه
و قبل سكون حركاته ، و خمود أنفاسه ، و رحلته إلى قبره ، و مقامه بين أرماسه .
فمثل نفسك يا مغرور و قد حلت بك السكرات
و نزل بك الأنين و الغمرات
فمن قائل يقول : إن فلاناً قد أوصى و ماله قد احصى
و من قائل يقول : إن فلاناً ثقل لسانه ، فلا يعرف جيرانه ، و لا يكلم إخوانه
فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب ، و لا تقدر على رد الجواب
ثم تبكي ابنتك و هي كالأسيرة ، و تتضرع و تقول :
حبيبي أبي من ليُتْمي من بعدك ؟
و من لحاجتي ؟
و أنت و الله تسمع الكلام و لا تقدر على رد الجواب و أنشدوا :
و أقبلت الصغرى تمرغ خدها ===على وجنتي حيناً و حيناً على صدري
و تخمش خديها و تبكي بحرقة=== تنادي : أبي إني غلبت على الصبر
حبيبي أبي من لليتامى تركتهم=== كأفراخ زغب في بعيد من الوكر ؟
فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك ، إلى لوح مغتسلك
فغسلك الغاسل
و ألبست الأكفان
و أوحش منك الأهل و الجيران
و بكت عليك الأصحاب و الإخوان
و قال الغاسل أين زوجة فلان ؟
و أين اليتامى ترككم أبوكم فما ترونه بعد هذا اليوم أبداً ؟
و أنشدوا :
ألا أيها المغرور ما لك تلعب== تؤمل آمالاً و موتك أقرب
و تعلم أن الحرص بحر مبعد=== سفينته الدنيا فإياك تعطب
و تعلم أن الموت ينقض مسرعاً ==عليك يقينا طعمه ليس يعذب
كأنك توصي و اليتامى تراهم ==و أمهم الثكلى تنوح و تندب
تغص بحزن ثم تلطم وجهها=== يراها رجال بعد ما هي تحجب
و أقبل بالأكفان نحوك قاصد=== و حثى عليك الترب و العين تسكب
التكرة / القرطبي/ بتصرف