ألم يسبق لك أيها الملحد أن سألتَ نفسك سؤالاً : ماذا قدمتَ لمجتمعك ؟ ماذا قدّم الإلحاد للبشرية ؟ هل سبق وأن نصحتَ فرداً بمعروفٍ ؟ هل سبق وأن أنكرتَ منكراً ؟ هل قدّمتَ يد العون مرّةً لأخيك الإنسان ؟
أم أنك لا زلتَ غائصاً في غياهب الفردانيّة ؟ تعتبر النصيحة تدخلاً في حريّة الفرد ؟ كم من شخص ضيع مال عائلته في خمرٍ أو ميسرٍ ؟ أو تركته يذهب بسيّارته مخمورا إلى أن وقع له حادثٌ مهلك ؟ كم ولماذا وكيف ... هي أسئلةٌ يطرحها العاقل ولو مرّة في حياته .. لماذا لستُ مساهماً في إصلاح مجتمعي ؟ كيف لي أن أفعل ذلك وأنا أؤمن بالماديّة وبنفسي فقط؟ ألم تسأم من هذه الأنانيّة المفرطة، أن تكون فرداً سلبيّاً فقط ؟
إن المسلم في نظر الإسلام أيها الشاك، لحركةٌ دعويّةٌ بفطرته، وفردٌ إصلاحيٌّ بطبيعته، فمنذ أن بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلّم وتقلّدَ مهمّة الدّعوة إلى الله، عرفَ الأتباع بأن الإسلامَ رسالةٌ من الله لعباده، ومقتضى هذا أن يكون المسلمُ مبلّغاً عن الله ورسوله، وهو أمرٌ إلهيٌّ نافذ : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران : 110 ) . وقوله تعالى : { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } ( يوسف : 108) .
ومن هنا بيّن الله عز وجل سبيل الرسول والمؤمنين، في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وهو ما جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : ( بلّغوا عني ولو آية) رواه البخاري.
إنّ العالم اليوم هو في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أناسٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحملون رسالة الإصلاح لتحقيق الخير للبشريّة، في ظلّ فردانيّةٍ متوحّشةٍ تُبعد الأب عن أبنائه، والأبناء عن آبائهم، والكلُّ لسان حاله : " نفسي نفسي " .
حتى أنه قد بلغ أن نصّوا في القانون الجنائي عقوبات سجنيّةٍ في حالة عدم تقديم مساعدة لمضطرّ . ومن كان لا يأمر بمعروف قولاً لن تنتظر منه القيام به فعلاً ! إلا من حافظ على شيءٍ من فطرته وتعلّق ببعض القيم الإيمانيّة .
إنّ مفهوم الأمر بالمعروف، مفهومٌ شاملٌ في الشريعة يتّسع ليشمل كلّ دعوةٍ إلى الخير، وأعظمُ الخير هو معرفة الله تعالى والدّعوة إليه، ثمّ تأتي بعدها الدعوة إلى قيم الخيرِ وأفعالِ البرِّ التي تجدها مفصّلةً في الإسلام بشكلٍ بديعٍ أيها الشاك.
وكما أن مفهوم الخير أساسه معرفة الله تعالى، فإن مفهوم المنكر أن يعرف الإنسان مواقع الشرّ ويتجنّبها، وأوّل ذلك معرفةُ الشيطان وأساليبه في إغواء البشر، ثم تأتي قيمُ المنكر بعدها تباعاً .. يقول في ذلك الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله تعالى : " بعض المسلمين قد يغيب عنه في فتنة الانغماس الاجتماعي؛ أن الشرّ من الشيطان . حقيقةٌ كبرى قد تُنسى .. اذكر هذا جيّداً وجدد إيمانك به .. إنه ليس وهماً ولا خيالاً، إنه حقيقة، إنه يسعى لتضليل عباد الله، وأنت واحد ممن يستهدفه الشيطان بغوايته، وكل الناس معرّضٌ له . فتدبّر .. " -1-
فهذا في المؤمنين فكيف بك أيها الملحد ؟ إن الانغماس الاجتماعي l'immersion sociale، قد يؤدّي بصاحبه إلى نسيان دينه وعقيدته، ويتيهُ في ظلمة المعاصي والكفر، وينحرف به إلى الاشتغال بالدّنيا على حساب الآخرة، ومن هنا كان هذا الانغماس سبباً من أسباب الماديّة، التي تغرق النّاس في ثقافة الاستهلاك، والمعاصي ومقارفة المنكر، فينسى الإنسان أن هناك عدوّاً لا يملّ ولا يكلّ كي يجرفه عن طرق الحقّ، حتى يأتي التذكير إما في لحظة صفاءٍ وجداني، أو حين يأتي إنسانٌ ينصحه، ومن هنا أهميّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
نعم أيها اللاديني، عدوّك موجودٌ حقيقةً وإن لم تؤمن بوجوده، وخالقك واجب الوجود عقلا وعلماً وإن أنكرته، فالشمس موجودةٌ ولا يضرّها إن لم يبصرها العميان. ثم ههنا سؤالٌ وجبَ على كلّ شاكٍّ طرحه : هل دينٌ يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساساً من أساسات العقيدة، وفعلاً يُجازى عليه فاعله ويُعاقب تاركه، دينٌ مكذوبٌ شيطانيٌّ ؟ أم أنه من دلائل صدق الرسول الكريم ؟
ثم ما الخير الذي ينفع البشريّة ولم يدع إليه الإسلام ؟ وما الشر الذي يتردّى بها ولم ينه عنه ؟
تلكَ أسئلةٌ تستفزُّ وجدانك أيها الشاكّ، فتأمّلها وابحث عن إجابتها، عساك تكون من المبصرين، حيث تنفتح عيونك على الحقّ الظّاهر الأبلج .
دعك من خرافات كارل ماركس ومن تابعه من الاشتراكيين في قولهم بأفيون الدّين، فهم ما أبصروا الإسلام قطّ، بل كانوا يرون المسيحيّة تقيّد الأتباع وتستغلّهم، والباباوات يغتنون على حساب الفقراء ويمتهنونهم .. فالإسلام ليس فيه أفيونٌ، بل يطلق أيدي أتباعه إلى العمل والكدح والتحضّر وخلافة الأرض بما يرضاه الله ورسوله، ولا تبصر أفيون المسيحيّة وتنسى هروين الإلحاد واللادينيّة!
وتأمّل معي سبقَ الإسلام حين يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى يسأله : ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ؟) رواه أحمد وصححه الألباني .
فالمسلم يعلم أنّه مسؤولٌ عن المنكر إن رآه ولم ينه عنه، وفي هذه لطيفةٌ اجتماعيةٌ كبرى، حيث أنّ المسلم يرى أن من واجباته أن يكون فرداً صالحاً في مجتمعه، يساهم في رقيّه ومحاربة منكره ! ومن هنا يكون نبراساً للهدى يضيء للناس في ظلمات الضلال والتيّه، ويحمل همومهم ويسعى لإزالتها ولو بكلمةٍ حسنةٍ، أو نصيحةٍ صادقةٍ.